جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه.
كتاب الروض المربع الجزء الأول
91514 مشاهدة
زكاة بهيمة الأنعام

بسم الله الرحمن الرحيم. قال الشارح رحمه الله تعالى: باب زكاة بهيمة الأنعام ؛ وهي الإبل والبقر والغنم، وسميت بهيمة الأنعام؛ لأنها لا تتكلم. تجب الزكاة في إبل؛ بخاتي أو عراب، وبقر أهلية أو وحشية، ومنها الجواميس وغنم ضأن أو معز أهلية أو وحشية؛ إذا كانت لدر ونسل لا لعمل، وكانت سائمة أي راعية للمباح الحول أو أكثره لحديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: في كل إبل سائمة في كل أربعين ابنة لبون رواه أحمد وأبو داود والنسائي وفي حديث الصديق وفي الغنم في سائمتها.... إلى آخره.


بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه.
بالإجماع أن بهيمة الأنعام فيها الزكاة؛ زكوية، وقد استدل على ذلك بالأحاديث الصحيحة؛ الأحاديث التي وردت في تحديد الزكاة، ومنها حديث أبي سعيد قول النبي صلى الله عليه وسلم: ليس فيما دون خمس ذود صدقة فدل على أن الخمس فيها صدقة، والذود هي الإبل. ورد في حديث جابر المشهور الوعيد على منعها قال صلى الله عليه وسلم: ما من صاحب إبل لا يؤدي زكاتها إلا بطحت له يوم القيامة أوفر ما كانت. تطؤه بأخفافها وتعضه بأفواهها في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة؛ حتى يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار وذكر مثل ذلك في البقر وفي الغنم، فهذا وعيد دل على أن فيها حقا.
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم، يبعث من يجبي الصدقات؛ من يجمعها من البوادي، فتارة يفرقونها على المستضعفين والفقراء، وما لم يجدوا فقيرا جاءوا به إلى فقراء المدينة ليفرق على من يستحقه، أو ينفق في وجوه الخير، وسيأتينا إن شاء الله بيان أهل الزكاة؛ ومنهم الجهاد في سبيل الله.
البهيمة في الأصل هي التي لا تتكلم, وذلك أن البُهمة هي العجمة, فسميت بهيمة لأنها لا تنطق، والمراد هنا الأنعام التي مَنَّ الله بتسخيرها. كثير من الآيات يذكر الله تسخير هذه البهيمة, كما في قوله تعالي: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُون وفي قوله تعالى: وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهَا وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ وكذلك عدَّدَها في سورة الأنعام في قوله تعالى: ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ يعني: ذكر وأنثى وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ ثم قال: وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ فهي ثمانية أصناف ذكرت في هذه الآية أنها ثمانية، وكذلك في سورة الزمر وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ فهذا دليل على أن هذه هي بهيمة الأنعام، مع أن الله تعالى قد سخر وأوجد مخلوقات أخرى، ومع ذلك لم يمتنّ بها كما امتن بهذه الأنعام، ففي سورة النحل قال تعالى: وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً امتن بها؛ امتن بركوبها وبأنه زينة، فاستُدِلَّ بهذه الآية على أنها ليس فيها زكاة, ولو ملك الإنسان مائة فرس أو مائة بغل أو مئات من الحمر؛ لأنه لا يُقتنى مثل ما تُقتنى هذه الدواب؛ بهيمة الأنعام.
فعلى هذا تختص الزكاة بهذه البهائم الثمانية؛ فالإبل نوعان: بَخاتي وعِراب, البختي: نوع من الإبل له سنامان، يوجد في بعض البلاد في تركيا وفي بعض البلاد النائية له سنامان، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم في بعض النساء: رءوسهن كأسنمة البُخْت أي: التي لها سنامان، فهذا يُركب ويُحلب ويُنتفع به، كما ينتفع بالإبل العِراب التي لها سنام واحد.
كذلك البقر نوعان: الجواميس والبقر العربية، وهناك بقر وحشية. منهم من يقول: إن فيها زكاة؛ لأنها يصدق عليها اسم بقر، ومنهم من قال: ليس فيها زكاة؛ لأنها صيد، ولأنها متوحشة تنفر بطبعها من الإنسان بخلاف البهيمية فإنها مذللة. الإنسية التي تأنس بالناس مذللة تألف البيوت وتألف الأهل، فلا يتم النعمة بالوحشي الذي ينفر، وهذا هو الأقرب أنه لا زكاة فيها؛ إلا إذا مَلَكَهَا بنية التجارة. إذا اشترى من البقر الوحشي أنواعًا ليبيعها ويربح فيها.
ثم الغنم: اسم للضأن والمعز, وهناك أيضا معز وحشية؛ هي نوع من الظباء. منهم من يقول: إنها زكوية، والأقرب أيضا أنها ليست زكوية؛ وذلك لأنها لا تُملك كما تُملك البهيمية، ولا تأنس بالإنسان؛ بل طَبْعُها: النفرة والبعد والشرود. يدخل في ذلك الظباء فإنها من جنس المعز، وكذلك الوعل والأروى والإيَّل والتيتل, وحمر الوحش المشهورة, هذه كلها يصدق عليها أنها شبيهة بالغنم، ولكنها وحشية, فلا تأنس للإنسان, ولا تمكنه من اقتنائها. يوجد مَن يُمسكها ويحجزها ويحلبها, وتتوالد في بعض الحدائق؛ ولكن لا تتم بها نعمة, ولا تَرعى كما تَرعى الغنم, بل إذا أُخرجت هربت.